تطبيق نظام ( البناء والإدارة
والتشغيل ، والتمويل ) لإعمار أعيان الوقف (B.O.T) :
1-
التعريف بهذا النظام :
إن كل حرف من هذه الحروف B.O.T الثلاثة اختصار لكلمة ،
فـ (B) اختصار لكلمة (BUILD) أي : البناء الذي يشمل
إقامة مشروع ، و(O) اختصار لـ (OPERATE) أي : التشغيل ، و(T) اختصار لـ (TRANSFER) أي : التحويل ، وتستعمل
بعض الدول مثل كندا واستراليا ونيوزلندا مصطلح (B.O.O.T) أي بإضافة كلمة أخرى وهي (OWN) ، أي بعد (BUILD) .
وقد استعملت هذه الصيغة في أوروبا في مطلع القرن
التاسع عشر الميلادي من قبل الحكومات التي تضطلع بمشاريعها وتمويلها ، الأمر الذي
يرهق كاهلها فكانت تعطي المشروع لقطاع خاص للقيام بالمطلوب لتعود الأرض والمشروع
إليها بعد فترة زمينة محددة ، وبذلك تحققت لكل من الدولة ، والمموّل فوائد كثيرة ،
وكذلك للمجتمع ، فمثلاً أقيمت قناة السويس على أساس هذا العقد حيث قامت بها شركة
انجليزية وفرنسية بالاتفاق مع الحكومة المصرية على أساس شق القناة ، وبناء مرافقها
، ثم تشغيلها فيكون ريعها لهما ، على أن تعود ملكيتها كلها لمصر بعد 99
عاماً ، وهكذا الأمر بالنسبة لقناة بنما أخذتها شركة أمريكية
.
وهناك صورة
تطبيقية لهذا العقد او النظام ، منها أن يكتفي صاحب الأرض بالبناء أو إنشاء
المشروع لفترة زمنية محددة ، ومنها أن صاحب الأرض يأخذ أيضاً أجرة مخفضة سنوية ،
أو شهرية خلال الفترة كلها ، أو بعد بدء التشغيل إلى التسليم .
ويمكن تعريف هذا
العقد أو النظام بانه : اتفاق بين صاحب أرض ، ومموّل يقوم بإقامة مشروع متكامل
عليها ، وبتشغيله وصيانته ، والإفادة منه لفترة محددة متفق عليها ليعود بعدها إلى
مالك الأرض
.
وهذا العقد
يستفيد من خلاله المالك حيث تعمر أرضه بمشروع يعود إليه بعد فترة ، والمستثمر حيث
يشغل أمواله فيه فيربح من خلال تشغيل المشروع والافادة من ريعه ، أو استعماله ،
ولذلك يشترط أن تكون الفترة مناسبة لاسترداد رأس ماله مع أرباحه المتوقعة .
وأركانه هي نفس
أركان العقد المتمثلة : بالعاقدين ، والمعقود عليه ، والصيغة ، فالمالك قد يكون
الحكومة ، أو ناظر الوقف ، أو غيرهما ، وأن مسؤوليته تكمن في منح الأرض للطرف
الثاني ، وتسهيل مهمته ، وان المموّل قد يكون شخصاً طبيعياً ، أو شخصاً اعتبارياً
، أو مجموعة من الأشخاص والشركات ، وأنه يلتزم بالنباء والتشغيل والصيانة حسب
الشروط والمواصفات المتفق عليها بين الطرفين ، ثم إعادة المشروع إلى المالك بصورة سليمة
صالحة للاستفادة منه .
ثم إن الممول قد
يقوم بنفسه بإقامة المشروع من خلال شركاته ، وقد يقوم بذلك من خلال شركات مقاولات
أخرى ، وقد تمنح الصيانة أيضاً لشركات متخصصة ، وهكذا حيث تحدد المسؤوليات في
العقد ومقدار التمويل وأرباحه ، والتقنيات المطلوبة لاقامة المشروع ، والشروط
المطلوبة في الاشرف على المشروع ، وكيفية الصيانة والتشغيل ، وغير ذلك مما يتضمنه
العقد المنظم لذلك .
2- مقاصد العقد وأهدافه :
إن الغرض من هذا العقد هو تحقيق ما يأتي :
1- تحقيق المصالح
والمنافع المعتبرة للطرفين ـ كما سبق ـ بل تلبية حاجات المجتمع الإنساني وتوفير
الراحة للفرد والجماعة بأسلوب علمي وعملي محكم.
2- إقامة البنية التحتية
بأموال القطاع الخاص مع تحقيق أغراضه أيضاً ، ولاسيما في المشاريع الكبرى التي يقع
عبؤها على الدولة ، مثل شق القنوات والطرق الكبيرة الطويلة ، وترتيب القطارات ،
وإقامة الجسور ، وإنشاء المصانع الكبرى ، والعقارات أو نحوها .
3-
الاستفادة من أموال المواطنين والاستثمارات الأجنبية
للمساهمة في خطط التنمية ، وتنفيذ المشروعات المهمة ، والمرافق العامة .
4-
تقليل مخاطر السوق والاقراض .
5-
التخفيف من أعباء الدولة حيث لا تتتحمل شيئاً من تكاليف
البناء والانشاء ونحوهما .
6-
المساهمة في تشغيل الأيدي العاملة ، وتقليل نسب البطالة
، وبالتالي : التضخم .
7-
استقطاب المهارات الفنية والإدارية الوطنية ، والأجنبية
والاستفادة منها .
8-
تدريب العمالة الوطنية من خلال مساهمتها في البناء
والتشغيل ، والصيانة .
9-
تنمية الأموال واستثمارها بطريقة تخدم المجتمع ـ كما سبق
ـ
.
3- الوصف الفقهي لهذا العقد ( التكييف الفقهي ) :
ذكر بعض
الباحثين أن هذا العقد يشتمل على أربعة عقود وهي : عقد البناء ، وعقد التشغيل ،
وعقد الصيانة ، وعقد التحويل ( إعادة الملك ) بإعادة المشروع لأصحابه
.
والذي يظهر لي
أنه نظام كامل يشمل كل هذا ، وغيره ـ مثل عقد تأجير المنفعة من قبل المالك في
مقابل إعادة البناء ـ في عقد واحد يتضمن كل هذه الأمور مع تفاصيل أخرى ، فهو في
حقيقته منظومة شاملة ، وينبغي أن ننظر إليها بهذا الاعتبار ، ومن هنا نستطيع القول
: إنه نظام أو عقد جديد يخضع للقواعد والمبادئ العامة الخاصة بالعقود المشروعة ،
وهي عدم وجود شرط أو أثر يتعارض مع أحكام الشريعة الغراء ، بناءً على أن الأصل في
العقود والشروط هو الاباحة تأسيساً على الأدلة المعتبرة في هذا الشأن ، وأن جمهور
الفقهاء على هذا الأصل ـ كما حققناه ـ
، ومن جانب آخر فإن هذا العقد لا
تتوافر فيه أصول الفساد الأربعة ، وهي : الربا ، والغرر ، والمعقود عليه المحرم ،
والشروط المفسدة ، وبالتالي فهو مشروع وصحيح بعد توافر الأركان والشروط المطلوبة
في العقود
.
وإذا نظرنا إلى
هذا العقد فنجد أن مقاصد الشريعة في إجراء العقود متوافرة فيه ، وأنه حسب ظاهره
ومن حيث هو عقد ليس فيه مخالفة ، أو تعارض مع نص شرعي ، ولذلك يبقى على أصل الجواز
والصحة والمشروعية .
وبالاضافة إلى
ذلك فإنه يمكن تكييفه على أساس عقد الحكر ـ كما سيأتي ـ .
وأما عقوده
الجزئية التي يتكون منها هذا النظام فهي عقود مقبولة شرعاً ، فإن عقد البناء لا تخرج
عن دائرة عقد الاستصناع ، وأن عقد التشغيل يدخل في عقد الإجارة ، وأن عقد الصيانة
قد أجازه مجمع الفقه الإسلامي الدولي من حيث المبدأ ومع التفصيل
كما أن ما فيه من عقد المقاولة جائز مشروع وداخل في قرار مجمع الفقه الاسلامي
الدولي قرار رقم (129/3/14) .
ومن الباحثين من
يقول : إنه عقد استصناع تغليباً على بقية ما فيه من أعمال باعتبار أن البناء هو
الجزء الأول والأساس والأهم
، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الاسلامي الدولي قرار رقم (65(3/7) الذي عرف الاستصناع بأنه : عقد وارد على العمل والعين
في الذمة ، وأنه ملزم للطرفين إذا توافرت فيه الأركان والشروط ، وبالتالي فإن بقية
العقود تكون تباعة للاستصناع من باب الأصالة والتبعية ، والكثرة والغلبة والقلة
والندرة
.
وهذا في المرحلة
الأولى أما في مرحلة التشغيل فإن العقد الذي ينظمه عو عقد الإجارة حيث إن العقد
ينص على الأجرة المتضمنة لرأس المال والربح ، وفترة التشغيل ، وفي المرحلة الأخيرة
تعاد الأرض وما عليها إلى المالك بناءً على انتهاء فترة الإجارة بالنسبة للأرض
وتنفيذ الوعد بالتنازل عما بني عليها بالنسبة للمشنآت المبنية أو المقامة عليها .
([4])
د. عبدالوهاب أبو سليمان : بحثه السابق
([5])
مبدأ الرضا في العقود ، دراسة فقهية مقارنة ، ط. دار البشائر الاسلامية – بيروت
(2/ 1148-1195)
([6])
يراجع بداية المجتهد لابن رشد ط. دار الجيل / بيروت 1409هـ ( 2/00212) حيث حصر
أسباب الفساد العامة للعقود أربعة ، وهي : أ ـ تحريم عين المبيع ، ب ـ الربا ، ج ـ
الغرر ، د ـ الشروط المفسدة ، وسماها أصول الفساد الأربعة .
([7])
يراجع قرار مجمع الفقه الاسلامي الدولي قرار رقم (103/6/11) و مجلة المجمع ع11 ج2
ص5
([8])
أ.د. أبو سليمان : بحثه السابق
([9]) أ.د. أبو سليمان : بحثه السابق